الثالث: الأذان في الناس بالحج. أي إعلام الناس بأن الله قد فرض عليهم الحج إلى بيته الحرام. وقد ورد أن الله تعالى لما أمر إبراهيم عليه السلام بأن يؤذن في الناس بالحج، قال إبراهيم وإلى أي مدى يبلغ صوتي، فأوحى الله تعالى إليه، أن عليك الأذان وعلينا البلاغ، فلما أذن إبراهيم عليه السلام = بالحج أوصل الله تعالى صوته إلى كل جنبات الدنيا فلم يبق حي ولا جماد إلا وقد سمع أذان الخليل عليه السلام.
هذه هي المهام الجسام التي وكل الله تعالى إلى الخليل عليه السلام القيام بها بالنسبة إلى بيته الحرام. وقد قام الخليل عليه السلام بما وكله الله إليه وأمره به.
وليس من شك في أن هذه المهام الثلاث هي على أعظم قدر من الأهمية والخطر، ولذا لم يكلها الله تعالى إلى إبراهيم عليه السلام إلا بعد أن اختبره فوجده جديراً بتلك المهام العظام يقول الله تعالى ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) [البقرة4] ((وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)) [البقرة5].
فالأمر بإقامة البيت وتطهيره والأذان في الناس بالحج إنما أتى بعد الابتلاء والاختبار. لكن الذي يلفت النظر، ويستولي على الفكر، تلك الدعوات التي دعا بها إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وهما يبنيان البيت أو يرفعان القواعد منه، وتلك الدعوات التي نطق بها النبيان العظيمان إنما هي دعوات ملهمة. لا تخرج إلا من فم نبي ينظر بنور الله إلى مستقبل يفصله عنه آلاف السنين.
فما تلك الدعوات؟ وما شأنها في موضوعنا هذا؟ إن حديثنا عن تلك الدعوات الخالدات هو مدخلنا للحديث عن رسول الله محمد خاتم الرسل حفيد إبراهيم وإسماعيل عليهم صلوات الله وسلامه.
محمد صلى الله عليه وسلم دعوة إبراهيم:
===============
المصدر: بوابة الحرمين