المحور الأول: العلاقات المغربية العثمانية.
1 - العلاقات المغربية العثمانية: مرحلة الصراع والتوتر.
تطرح العلاقات المغربية العثمانية إشكالية مزدوجة فمن جهة:
هناك قلة المصادر والتي يوجد غالبها في الإرشيف العثماني، ومن جهة ثانية نوع المقاربة التي يمكن تبنيها من أجل فهم هذه العلاقات.1
إن علاقات المغرب مع الدولة العثمانية تكتسي أهمية خاصة، باعتبار أن المغرب ظل البلد الوحيد من بلدان العالم العربي الذي أفلت من الخضوع للإمبراطورية التركية2، كما أن المغرب كان يمثل مسرحا للصراع بين المسيحية ممثلة في الدول الأوربية، والإسلام ممثلا في دولة الخلافة العثمانية 3 .
وتزداد أهمية العلاقة المغربية العثمانية بالنظر إلى التقارب المذهبي والديني الذي ميز الطرفين (الانتماء إلى المذهب السني ).
كيف يمكن إدراك هذه العلاقات الغنية والمعقدة إلى درجة التناقض؟ والتي تشوبها أحيانا صراعات لكن تفضي أحيانا أخرى إلى نوع من الثقة المتبادلة5 ؟وما هي الميكانيزمات التي تحكمت في هذه التناقضات؟وكيف تطورت العلاقات بين الطرفين ؟ .
لا يمكن فهم طبيعة العلاقات المغربية العثمانية إلا في ظل نوعية العلاقات التي ربطت دار الإسلام / دار الإسلام6، فالمغرب والدولة العثمانية ينتميان إلى نفس المنظومة الدينية والمذهبية (إسلامية سنية) وهو الأمر الذي يعطي لموضوع العلاقات المغربية العثمانية تميزا عن نوعية العلاقات التي جمعته مع الدول الأوربية.7
وإذا كان كل من الشرفاء المغاربة والعثمانيين اكتسبوا حظوة ونفوذا على أساس قيامهما بالجهاد ضد الكافر، فقد حاول كل طرف فرض هيمنته على الطرف الآخر تحت هذا الشعار، لكن الفرق هو أن العثمانيين بفضل ما توفر لهم من موارد وإمكانات دخلوا عالم الإمبراطوريات بخلاف المغرب، فالدولة العثمانية استطاعت أن ترقى إلى المستوى الآخر الأوربي، وظل المغرب حبيس مشاكله الداخلية، ويبقى السؤال المطروح هو لماذا لم تعمل الإمبراطورية العثمانية على إخضاع المغرب بدعوى وحدة الأمة؟.
هل الأمر يتعلق بما يفرضه الامتثال للشريعة الإسلامية، والمتمثل في أن الفتح لا يمكن أن يشمل دار الإسلام ، وان الحرب لا يمكن أن تكون موجهة سوى ضد الكفار كما ذهب إلى ذلك الأستاذ بنحادة ، والحال أن المغرب بلد إسلامي8 أم أن الأمر تحكمت فيه عوامل أخرى ؟
للجواب على هذه الإشكالية لابد من العودة إلى أواخر القرن الخامس عشر، حيث عرف عالم البحر الأبيض المتوسط مرحلة مهمة جدا تجلت في بدء التفوق الأوربي في مجال التقنيات الحربية والبحرية، وهو الأمر الذي ساهم في تغيير ميزان القوى بين الضفتين دار الإسلام ودار الحرب.9
وكان من نتائج هذا التفوق احتلال الإسبان والبرتغاليين للسواحل الأطلسية والمتوسطية في الشمال الإفريقي ، وإذا كان المغرب قد استطاع التصدي للحملة الإيبرية على شواطئه بفضل الدولة السعدية الناشئة، فان بلدان شمال إفريقيا الأخرى اختارت حلا مغايرا تجلى في استقدام قوة خارجية عن البلاد وهي القوة التركية، فأمام الصعوبات التي وجدها عروج بعد فشله في استخلاص قلعة الجزائر بعث بوفد إلى استانبول سنة 1519 محملا بالهدايا والبيعة للسلطان سليم الأول هذه البيعة التي لم يتردد السلطان العثماني في قبولها ؛ لأنها فتحت الطريق لهم بسهولة للوصول إلى الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط .10
ومقابل البيعة المذكورة تم تعيين خير الدين بعد مقتل أخيه عروج حاكما على جزائر الغرب، ومن ثم أصبحت شرعية الحاكم في الجزائر مرتبطة بالباب العالي11.
ومن هنا يمكننا القول : إن البدايات الأولى للعثمانيين بالشمال الإفريقي كانت نتيجة عملية الاستنجاد المقرونة بالبيعة الطوعية، وليست ناتجة عن الحرب والغزو، فالإدارة العثمانية لم يكن في نيتها ضم شمال إفريقيا بالقوة لأسباب مالية وعسكرية وطبيعية .
وبعد ضم خير الدين بمساعدة الأتراك تونس، بقي المغرب البلد الوحيد في الغرب الإسلامي الذي أفلت من التبعية العثمانية، ومن ثم يمكن تفسير طابع التوتر والحذر الذي ميز علاقات الدولتين .12
لقد أملت الوضعية السابقة الذكر على السلاطين المغاربة نهج سياية لم تراع كثيرا وضعية الانتماء لنفس الدار، لكن السياسة التي تمكن المغرب من الحفاظ على استقلاله عن الأتراك، ومن ثم تراوحت هذه العلاقة بين الحدة والتوتر من جهة، وبين التقارب والتعاون من جهة أخرى 13.
ونشير هنا إلى أن العثمانيين حاولوا منذ البداية اتباع سياسة الاحتواء اتجاه السلاطين السعديين الأوائل، وهذا ما تؤكده مضامين الرسائل العثمانية التي كانت تجس نبض هؤلاء من خلال طبيعة المخاطبة التي لم تكن تحمل أكثر من صفة لحاكم ولاية فاس، وهو ما كان يعتبر من منظور العثمانيين أن المغرب ولاية تابعة لهم14، ويتجلى ذلك أيضا في السفارة العثمانية إلى محمد الشيخ حين اقترحت عليه المساعدة لمحاربة المسيحيين مقابل الخطبة باسم السلطان العثماني15، والتي إن تحققت تعني ضمنيا تبعية المغرب للباب العالي.
ولعل هذه المحاولات العثمانية تنم عن وسيلة ذكية كانت تتوخى من ورائها تكرار النموذج الجزائري بالمغرب ، وهو ما رفضه السلطان المغربي، مما أغضب الباب العالي الذي دبر مؤامرة اغتياله.
وقد تريث العثمانيون خلال فترة حكم السلطان عبد الله الغالب ، إذ رفضوا دعم أخيه عبد الملك السعدي(1576/1578) الذي التجأ إلى الأراضي الجزائرية " إني لا أعينك على فتنة المسلمين ..." .
وقد تحكمت في مواقف عبد الله الغالب( 1557/1574) معطيات الصراع العثماني الأوربي، لكن وفاته جاءت قبل أن تكتمل سفارته إلى استانبول بقيادة التمكروتي16، لكن وعي العثمانيين أدى بهم إلى المراهنة على التدخل في الصراع الداخلي لصالح عبد الملك ضد المتوكل(1574/1576)، فدعموه بحملة انتهت بدخوله فاس وفرار المتوكل الذي لجأ إلى البرتغال .
وقد أغدق عبد الملك على الأتراك أموالا كثيرة ، وحملهم بأنواع من الهدايا مكافأة لهم، كما استمر في بعث الهدايا إلى القسطنطينية، وكان يلقي الخطبة باسم السلطان العثماني، ويسك النقود باسمه، وهذه كلها مظاهر تؤكد التبعية للباب العالي، كما أن الرسائل العثمانية للسلطان عبد الملك كانت تحضه على الجهاد والتعاون مع أمير الجزائر17، وقد ظل الباب العالي مساندا لعبد الملك السعدي، وهو ما يتجلى في مشاركة الأتراك في معركة واد المخازن بغض النظر عن طبيعة وحجم المشاركة.
لكن سرعان ما ستتغير الوضعية بعد انتصار السعديين في معركة واد المخازن ، فرغم أن المنصور (1578/1603) استمر في بعث الهدايا إلى الباب العالي، فقد دشن من جهة ملامح سياسة تختلف عن سابقه، فقد تلقب بالخليفة وأصبحت الخطبة تلقى باسمه، وكان هذا تأكيدا من أحمد المنصور على استقلالية المغرب عن الباب العالي .18
وقد استغل أحمد المنصور الأوضاع الدولية لصالحه، ولعب الورقة الإسبانية الرابحة، وهو الشيء الذي فطن له سيلفا الذي بعث رسالة إلى الملك فيليب الثاني سنة 1583 يقول فيها : " إن إمبراطور المغرب يسخر منا فهو متأرجح بين مصانعتنا ومصانعة الأتراك، فعندما يطالبه صاحب الجلالة بالعرائش يقول هيا بنا إلى الجزائر، وعندما يهدده الأتراك يقول هيا بنا إلى أسبانيا "19.
ولا شك أن التخوف العثماني من إمكانية قيام تحالف سعدي إسباني يعتبر في نظرنا من الأسباب التي جعلت العثمانيين لم يسعوا بتاتا إلى القيام بغزو شامل للمغرب، والدخول في مغامرة غير محتومة النتائج، خصوصا مع الوعي العثماني بان القوى الأوربية لن تقف صامتة إزاء مثل هذا المشروع الذي يهدد طموحاتها في السيطرة على الموارد الإفريقية انطلاقا من السواحل الأطلسية، كما نعتقد أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسمح الأوربيون لقوة بحرية واحدة بالسيطرة على الطرق التجارية المتوسطية والأطلسية في آن واحد.
كما أن بعد المسافة عن استانبول ووعورة تضاريس المنطقة وحتمية التحالف المغربي الأوروبي في مثل هذه الحالة قد يجعل المهمة صعبة إن لم نقل مستحيلة.
كما أن هذه الفترة تزامنت مع بداية التراجع العثماني عن مخططاتها التوسعية في غرب البحر الأبيض المتوسط ، خصوصا بعد فشل حملة مالطا، وتولي سليم الثاني(1566/1574) السلطة حيث بدأ العثمانيون عزوفا عن المجابهات مع الأوربيين وتوجهوا شرق الإمبراطورية20، ولعل ما يبرز هذا التراجع عدم تلقي المورسكيين أثناء محنتهم بالأندلس أي مساندة عثمانية خلال سنة 1568، فقد كانوا منشغلين بحملة قبرص21.
وقد ازداد هذا التراجع بعد حملة ليبانتو الفاشلة سنة1571على البندقية، فقد شكلت هذه المعركة بداية نهاية التفوق العثماني في حوض البحر الأبيض المتوسـط، وإن استطاعت الدولة العثمانية إعادة هيبتها عبـر انتصارها في حلق الوادي فإنها اعتمدت في ذلك على الدعم المحلي الكبير للجزائر وتونس21.
ولا شك أن المواجهات الثلاث السابقة قد استنزفت إلى حد كبير الدولة العثمانية ماديا وعسكريا، فكانت مضطرة إلى الدخول في مفاوضات مع إسبانيا لتحقيق الهدنة (وهذا ما حصل) والتفرغ لمواجهة الصفويين والثورات الداخلية.
هذه الهدنة مع الإسبان أدت إلى تخفيف الحدة بين الطرفين، وهو ما يعني استحالة التصعيد العثماني بالتفكير في غزو المغرب.
وساهمت هذه الهدنة من جانب آخر في توتير العلاقات بين ولايات الشمال الإفريقى عموما والسلطة المركزية العثمانية، إذ يبدو أن الولاة الجزائريين لم يكونوا راضين على هذه الهدنة، ويتجلى ذلك في استمرار تحرشاتهم ضد السفن الإسبانية في البحر الأبيض المتوسط ، وامتناعهم عن أداء مستحقاتهم المالية لاستانبول22. وهو الأمر الذي دعا إلى إقرار تجريء ولايات الشمال الإفريقي، ومع ذلك ظلت التوترات مستمرة بينهما.
يمكن القول : إن السلام العثماني الإسباني خدم بشكل كبير النزعة الاستقلالية في بلدان شمال إفريقيا التابعة للباب العالي .
لا شك أن الظروف السابقة والتي تزامنت مع مشاكل العثمانيين على الواجهة الصفوية وعلى واجهة أوروبا الشرقية، توضح أن غزو المغرب لم يكن ليحقق أي نفع للدولة العثمانية سوى إلحاق مزيد من الاستنزاف بها.
في ظل المعطيات المذكورة يمكننا التأكيد أن الرهان العثماني حول ضم المغرب كان يتوخى النموذج الجزائري ، أي أن الباب العالي كان يسعى إلى أخدها برغبة ومباركة من السلاطين المغاربة ، وهو ما لم يحصل .
وبالمقابل ألا يمكننا الحديث عن أطماع للشرفاء السعديين ومن بعدهم العلويين في التوسع على حساب الأراضي التركية بالمغرب الأوسط ، خاصة وأن الشريف السعدي كان قد نظم حملات وصلت إلى تلمسان، الأمر الذي أدى بالأتراك العثمانيين إلى نهج خطاب المهادنة (عزل أمير الجزائر )، ألا يفسر هذا الخطاب التخوف العثماني من خطر التوسع السعدي؟.
أليست فكرة رسم الحدود بين البلدين والتي طرحها العثمانيون تدخل في إطار هذا التخوف؟ وكيف لا تتناقض فكرة الحدود مع الأعراف التي يؤطرها مبدأ وحدة دار الإسلام ؟
والى أي حد تجيب مسالة الحدود التي طرحها العثمانيون على إشكالية عدم ضم الأتراك للمغرب ؟ بمعنى آخر أن من يطرح مسالة الحدود لا يمكن أن يفكر في الغزو؟ .
تؤكد مجموعة من الكتابات التاريخية أن فكرة الحدود السياسية دخيلة على المنطقة المغاربية، وأن الفهم الذي كان سائدا خلال هذه الفترة هو أن دار الإسلام مجال جغرافي وفضاء حضاري يحق للمسلم أن يستوطن في مختلف جهاته، وأن الحدود لا يمكن أن تكون إلا بين دار الإسلام ودار الحرب23. فإلى أي حد يمكن اعتبار فكرة ترسيم الحدود سلوكا جديدا في تاريخ العلاقات المغربية العثمانية ؟
لقد كان الباب العالي يتخوف كثيرا من مسالة التوسع المغربي على الواجهة الغربية الجزائرية ، خصوصا وأنهم يتمتعون بالشرعية الجهادية التي منحتهم تعاطفا من القبائل الجزائرية، بالإضافة إلى شرعية النسب الشريف الذي أعطاهم الأولوية لدى العامة.
لذا حرص العثمانيون على عنصر الحدود، فكيف تم إقرار هذا العنصر في العلاقات المغربية بالأتراك في المغرب الأقصى ؟ .
لقد كان المغرب دائما يسعى إلى توسيع نفوذه شرقا، وهذا ما تجلى في كثرة الحملات العسكرية خصوصا في بدايات الحكم العلوي، وهو ما كانت السلطة التركية على وعي كبير به، لذلك كان الأتراك هم السباقين لطرح مسالة الحدود بين الطرفين، متجاوزين بذلك الفكرة السائدة عن رفض الإسلام تقسيم تراب البلدان الإسلامية، وقد استطاعت البعثة التركية إقناع الشريف محمد العلوي (1636/1664) بفكرة رسم الحدود بين المغرب والولاية التركية، وانتزعوا منه أول تعهد مكتوب بذلك، لكن الملوك العلويين ظلوا مقتنعين بإمكانية ضم مناطق على الواجهة الشرقية وهو ما تجلى في كثرة الحملات خصوصا في عهد المولى الرشيد (1666/1672) والمولى إسماعيل (1672/1727)، في حين لوح الأتراك الجزائريون بورقة الحدود واعتمدوها كسبيل لإيقاف هذه التهديدات23.
ويوحي التمسك التركي بواد تافنا كحد فاصل بين الطرفين اعتبار هؤلاء الاتفاق مع المولى محمد حجة قانونية أشهروها في وجه المولى إسماعيل 24.
خلاصة الأمر يمكننا القول : إن الأتراك حاولوا منذ العهد السعدي تطويق موقف الشرفاء بخطة الحدود المرسومة ؛ حتى يمكن حصر نفوذهم بالمغرب الأقصى، وإن فشلوا في بداية الأمر مع السعديين فإنهم نجحوا مع العلويين.
والواقع أن طموحات الشرفاء كانت تهدف إلى إحياء مشروع الإمبراطورية الموحدية الكبرى ، وقد يكون إحساسهم بالانتماء لآل البيت الدافع الأساسي لهذا المشروع ، وهو الأحقية في الخلافة الإسلامية...ولعل هذا ماجعل البعض يعتبر الصراع بين السعديين والعثمانيين صراعا حول الخلافة ، فهي تتجاوز بذلك مسالة الحدود .25
فالعماري يرى أن الخلاف بين الشرفاء والأتراك لم يكن في عمقه يدور حول مشكلة الحدود، وإنما كان يدور حول مسالتين أساسيتين
أولا: أحقية الخلافة التي كان السعديون والعلويين يعتبرون أنفسهم أحق بها من الأتراك ، وينظرون إلى هؤلاء كمغتصبين للخلافة.
ثانيا: وحدة المغرب العربي التي كانت تبدو ضرورة تاريخية وقومية.26
لقد كانت السلطة العثمانية على وعي بهذين المبدأين....لذلك حاول الأتراك تطويق موقف الشرفاء بخطة سياسة الحدود.
وهذا يعني أن العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين تحكم فيها بقوة الصراع حول أحقية الخلافة .
فالعثمانيون امتلكوا مفاتيح الكعبة بتأييد شريف مكة أبو البركات27، فأصبح السلطان حامي الحرمين الشريفين وراعيا للحجاج المسلمين، بالإضافة إلى ذلك أصبحت الدولة العثمانية الحامل لراية الجهاد ، خصوصا بعد عجز المماليك عن مواجهة الإفرنج ، فتقوضت بذلك زعامتهم نهائيا كحماة للإسلام28، ومن هنا اكتسب العثمانيون أحقية الزعامة والقيادة، ومنحهم ذلك تأييد الزعامات المحلية في غالبية البلاد العربية، ومنها المغرب وهكذا نجد الفقيه ابن أبي محلي يصف السلطان أحمد العثماني بملك البحرين وإمام الحرمين الشريفين، ويرى في العثمانيين عصابة الجهاد في الحروب ، ولذلك استنفرهم للجهاد ضد من كان يسميهم عبدة الصليب،29 كما أن الحجري خصص للأتراك مكانة متميزة في رحلته "ناصر الدين على القوم الكافرين " إذ تحدث بإعجاب كبير عن دولتهم ودورهم في صيانة دار الإسلام، واعتبرهم القوة الوحيدة القادرة على مواجهة المد الأوربي " وكل واحد من السلاطين النصارى يرتعد ويخاف من سلاطين الإسلام والدين المجاهدين في سبيل رب العالمين ....وهم السلاطين الفضلا العظما ..العثمانيون التركيون ..".30
وإذ كان السلاطين المغاربة يشتركون مع العثمانيين في القيام بواجب الجهاد فإنهم ارتكزوا على النسب الشريف الذي له دلالة خاصة في مسالة شرعية الخلافة، لكن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة هو لماذا كان السلاطين الأشراف يلجئون في بعض الأحيان إلى الدعاء للعثمانيين على المنابر؟ ومن ثم نتساءل هل كان هذا الاعتراف وسيلة لقطع الطريق على أي تدخل عثماني محتمل، أم أنه ناجم عن قناعة بوجوب وحدة دار الإسلام . ؟
إن الصراع حول الخلافة تحكم في كثير من الأحيان في نوعية العلاقات بين الطرفين إلى حد كبير ، ونذكر على سبيل المثال:
* اتخاذ المنصور لقب الخليفة وأمير المؤمنين بعد توليه السلطة، مما أثار حفيظة العثمانيين ، خاصة عندما استقبل سفارة من ملك بورنو إدريس ألوما الذي بحث عن دعم عسكري لمواجهة أعدائه الصونغاي. يقول القشتالي :
" … ورد الرسول ...إلى الأبواب العلية المشرفة فوافق أمير المؤمنين بحضرته العلية مراكش دار الخلافة ، فأزاح اللبس وبين الغرض فصدع لهم أمير المؤمنين … وطالبهم بالمبايعة له والدخول في دعوته المباركة التي أوجب الله عليهم … وقرر لهم … أن الجهاد الذي ينقلونه ويظهرون الميل إليه ،لا يتم لهم فرصة ولا يكتب إليهم عمله، ما لم يستندوا في أمرهم إلى إمام الجماعة الذي اختصه الله إلى يوم الدين بوصفه الشريف … وعلق لهم أيده الله الإمداد على الوفاء بهذا الشرط فالتزمه الرسول " وموازاة مع ذلك قام الأتراك بتقديم الدعم العسكري لإمبراطورية الصونغاي ، وهذا لاشك يدخل في إطار الصراع الخفي حول الخلافة وزعامة العال