لماذا كل هذا الحديث حول أهمية المسامحة في الحياة الزوجية؟
الإجابة بسيطة جداً، وهي إننا لن نستطيع أن ننسى الإساءة التي وُجِّهَت إلينا ما لم نـُسامِح نحن مع صاحب الإساءة (أي شريك أو شريكة الحياة).
تتطلب المسامحة في الزواج الشجاعة والتواضع. ونستطيع أن نفعل أشياء صغيرة من شأنها أن تسهِّل الأمور وتحل مشاكل كبيرة، فعلى سبيل المثال أن نقول "أنا آسف"، ولكن يجب أن تقترن تلك الكلمات بالفعل! قد تبدو المسامحة في بعض الأحيان في غاية الصعوبة بل وأقرب إلى المستحيل، والسبب في ذلك هو أن نفس الشخص الذي نطق بكلمات "أنا آسف" وتعهَّد بعدم تكرار الخطأ، يستمر في ارتكابه!
إن رباط الزواج هو أوثق وأرق وأقدس كل الربط التي على الأرض، وكان القصد منه أن يكون بركة لبني الإنسان. وهو، فعلا، بركة عندما يدخل الناس في عهد الزواج بفطنة في خوف الله والتقدير اللائق لعهد الزواج والرباط المقدس الذي تم بين الزوجين. ولكن بلا شك كل زواج، حتى الذي قد يبدو أن السماء وافقت عليه، فيه خصومات ومفارقات قد تنشب دون توقع، أو قد تظهر مصالح خاصة قد تتصادم مع بعضها، وآراء تتضارب بين الزوجين. وبالرغم من كل القصائد الرومانسية التي يتبادلها الزوجان، إلا أن شخصيتاهما لن تندمجا كلياً لِمُجرَّد أنهما اتحدا معا برباط الزواج. فالزواج يستلزم الحكمة والصبر واللباقة، بالإضافة إلى بعض التعديل والتنسيق والتوافق الذي قد يتطلـَّب وقتاً طويلاً وتفكيراً ملياً.
في موضوعنا هذا، "المسامحة في الحياة الزوجية"، والذي نعتبره في غاية الأهمية، سنظهر كيف نستطيع تحويل الخصومات الزوجية، إلى فـُرص لخلق نتائج إيجابيه، وسنتعلـَّم الأهمية البالغة للتسامح والعفو بين الزوجين مهما كان سوء الخلافات الزوجية. تذكـَّر عزيزي بأن الله، تبارك وتعالى، سوف يمنحنا العون في هذا الأمر لأنه هو مصدر العون والتسامح والغفران. وهناك أمر مهم جدا يجب أن نتذكـَّره دائما عندما نجد صعوبة في التسامح كزوجين، وهو أن السيد المسيح، الذي هو مثالنا في التسامح والغفران، سامح وغفر لكل الذين أساءوا إليهِ في حياته التي قضاها على الأرض.
يعتقد علماء النفس أن ثمة علاقة بين الأمراض المستعصية والتسامح. وقد أدركوا مدى أهمية الرضا عن النفس والحياة في علاج الكثير من الاضطرابات النفسية. وفي دراسة نُشرت حديثاً، اتــَّضح أن هناك علاقة وثيقة بين التسامح والمغفرة والعفو من جهة، وبين السعادة والرضا من جهة أخرى.
إن العلاقات العاطفية في الحياة الزوجية، والتي تربط العائلات معا، هي في غاية الأهمية لأنها تخلق روابط المحبة التي تؤثر علينا وتبقى معنا مدى الحياة. ينظر العديد من علماء النفس إلى الحياة الزوجية على أنها حجر الزاوية للأسرة. وهذا السبب قد دفع هؤلاء العلماء إلى القيام بدراسات مستفيضة عن العلاقة بين السعادة والحياة الزوجية. وقد وجد الباحثون من خلال هذه الدراسات، مفاجأة، وهي أن الأشخاص الأكثر سعادة هم الأكثر تسامحاً في حياتهم الزوجية! وقرروا بعد ذلك إجراء التجارب لاكتشاف العلاقة بين التسامح في الزواج وبين أهم أمراض العصر وهو مرض القلب. وكانت المفاجأة من جديد هي أن الأشخاص الذين تعوَّدوا على العفو والمسامحة في علاقاتهم الزوجية هم أقل الأشخاص انفعالاً. وتبيَّن أيضا أن الكثير من الأزواج المتسامحين لا يُعانون من ضغط الدم، كما أن عمل القلب عندهم أكثر انتظاماً من غيرهم، ولديهم قدرة أكبر على الإبداع. وكذلك وجد هؤلاء الباحثين أن التسامح يُطيل العمر، فأطول الناس عمراً هم أكثرهم تسامحاً.
وتوصَّلت هذه الدراسة إلى أن الذي يُعوِّد نفسه على التسامح منذ اللحظات الأولى من الزواج، سوف يعلم مع مرور الزمن كيفية التعامل مع أي موقف قد يتعرَّض له، ولن يحدث له أي توتر نفسي أو ارتفاع في ضغط الدم. هذا بدوره سوف يريح عضلة القلب ويجعلها تقوم بأداء عملها بكفاءة أكثر، كما ستختفي الكثير من الأحلام المزعجة والقلق والتوتر الذي يُسبِّبه التفكير المستمر بالانتقام. ويقول العلماء: "أن تنسى موقفاً مزعجاً حدث لك أوفر بكثير من أن تـُضيِّع الوقت وتصرف طاقة كبيرة للتفكير بالانتقام!" وبالتالي فإن المسامحة بين الزوجين توفـِّر عليهما الكثير من المتاعب والمشقات في حياتهما الزوجية.